
المنامة _ البحرين
تمثل التشريعات الجديدة التي تشهدها مملكة البحرين في القطاع السياحي نقطة تحول مهمة في مسيرة هذا القطاع الحيوي، ويأتي في مقدمتها قانون تنظيم اقتسام الوقت في وحدات الإقامة السياحية الذي أعلنته وزارة السياحة مؤخرًا، والذي اعتبرته وزيرة السياحة السيدة فاطمة بنت جعفر الصيرفي نقلة نوعية ستسهم في تطوير مستوى الخدمات السياحية المقدمة وتنويعها بما يتماشى مع متطلبات المرحلة المقبلة. يقوم هذا القانون على مفهوم عالمي معروف تحت مسمى \"الاقتسام الزمني\" أو \"التايم شير\"، وهو نظام يمنح أكثر من شخص حق الانتفاع بوحدة سكنية أو فندقية خلال فترات زمنية محددة من العام، بحيث يتيح للسائح ضمان الإقامة في وجهة معينة بتكلفة أقل من امتلاك عقار كامل، وفي الوقت ذاته يمكّن المستثمر أو المطور العقاري من بيع الوحدة ذاتها لعدة عملاء، ما يعزز العوائد المالية ويرفع معدلات الإشغال الفندقي على مدار العام.
أهمية هذا القانون تتجلى في كونه يفتح آفاقًا جديدة أمام قطاع السياحة البحريني من خلال إضافة منتج مبتكر يجمع بين الاستثمار والضيافة ويستجيب لتطلعات السياح المحليين والخليجيين والدوليين. فالقانون لا يقتصر على توفير خيارات جديدة للسكن السياحي فحسب، بل يسهم في رفع كفاءة القطاع ككل عبر جذب استثمارات عقارية وسياحية إضافية، ويعزز ثقة المستهلكين من خلال ضمانات تشريعية ورقابية تكفل الشفافية وتنظم العقود وتحمي حقوق الأطراف كافة. كما يشكل دفعة قوية للقطاع الفندقي الذي سيستفيد من بيع وحداته عبر هذا النظام لعملاء متنوعين، الأمر الذي يحافظ على نسب إشغال مرتفعة ويقلل من الفجوات بين المواسم.
من الجانب الاقتصادي، من المتوقع أن يؤدي تطبيق القانون إلى تنشيط قطاعات عدة مرتبطة بالسياحة مثل المطاعم ووسائل النقل ومراكز التسوق والخدمات الترفيهية، حيث يضمن النظام وجود قاعدة ثابتة من الزوار على مدار العام، بما يرفع معدلات الإنفاق ويخلق فرص عمل جديدة مباشرة وغير مباشرة. كما أن إدخال هذا النموذج في السوق البحريني يعزز موقع المملكة التنافسي إقليميًا، خاصة في ظل التوجه الخليجي نحو تنويع المنتجات السياحية وجذب استثمارات عالمية في الضيافة والعقارات.
ولعل أبرز ما يميز هذا القانون أنه يتماشى مع رؤية البحرين الاقتصادية 2030 التي تركز على بناء اقتصاد متنوع قائم على المعرفة والخدمات عالية الجودة. فالسياحة لم تعد مجرد قطاع خدمي، بل أصبحت أحد الأعمدة الرئيسة للتنويع الاقتصادي، وإقرار مثل هذه القوانين يعكس وعيًا استراتيجيًا بأهمية استحداث تشريعات حديثة تستجيب لتغيرات السوق العالمي وتعزز ثقة المستثمرين والسياح على حد سواء.
نجاح هذا القانون يعتمد على مدى فعالية الرقابة التي ستقوم بها الجهات المختصة لضمان التزام الشركات المطورة بمعايير الجودة وتقديم الخدمات بما يليق بالسائح والمستثمر. كما يتطلب نشر الوعي المجتمعي حول فوائد هذا النظام وآليات الاستفادة منه، إلى جانب تفعيل شبكات تبادل عالمية تسمح لحاملي عقود البحرين باستخدام وحداتهم في وجهات أخرى والعكس، مما يرفع جاذبية المملكة كوجهة مرنة ومتعددة الخيارات.
إن البحرين بهذه الخطوة لا تكتفي بمجاراة التطورات العالمية في قطاع الضيافة، بل تسعى إلى ترسيخ نموذج متفرد يجمع بين الأصالة والحداثة، وبين جودة الخدمة وابتكار المنتج. ويعكس قانون تنظيم اقتسام الوقت توجه المملكة نحو بناء صناعة سياحية أكثر استدامة وقدرة على مواجهة التحديات، وفي الوقت نفسه يعزز سمعة البحرين كوجهة آمنة ومتكاملة تحتضن السياحة العائلية والترفيهية والثقافية.
في المحصلة، يمثل هذا القانون أكثر من مجرد تشريع تنظيمي، فهو إطار استراتيجي متكامل يمهد الطريق لمرحلة جديدة في صناعة السياحة البحرينية، حيث يصبح السائح شريكًا في التجربة السياحية لا مجرد زائر عابر، وحيث تلتقي مصالح المستثمرين مع تطلعات الدولة في صياغة مستقبل أكثر إشراقًا للقطاع. إنه خطوة تؤكد أن البحرين ماضية بثبات نحو تنويع اقتصادها وتعزيز مكانتها على خارطة السياحة الإقليمية والدولية، وتضع الأساس لبناء بيئة ضيافة راقية ومبتكرة تتناسب مع تطلعات العصر الحديث.
*جواد الحلي
رئيس لجنة العقار والانشاء
جمعية البحرين لتنمية المؤسسات الصغيرة والمتوسطة
Comments
No comments yet. Be the first to comment!